Friday, October 22, 2010

أحمد الحناوى يتحدى التجاهل ويعود بعشاق النيل


مجلة اكتوبر العدد١٧٧٣ بتاريخ ١٧ اكتوبر ٢٠١٠

http://www.octobermag.com/issues/1773/artDetail.asp?ArtID=105976




حوار:عبير العسكري

عدسة: خالد بسيوني


فى سماء الحياة نجوم تملك كل المقومات التى تمنحها الأضواء والسطوع ولكنها أحيانا لا تجد الحيز الذى يسمح لها بذلك فتتوارى فى الظلام وسط مزيج من مشاعر المرارة والحزن والغضب.. عزمنا إلقاء الضوء على معاناتهم فى محاولة للتصدى لها والتغلب عليها واسترداد الأضواء التى يستحقونها عن جدارة لتفوقهم فى مجالات الحياة المختلفة.
وفى هذه السطور نحاول إلقاء الضوء على «نجم بلا أضواء» لتعود الحياة لنصابها الطبيعى، فوق سماء الوطن ولتكون أكثر إشراقا وإضاءة بنجومها.

هو مؤلف موسيقي وقائد أوركسترا وعازف «فاجوط» وعود تخرج فى الكونسيرفاتوار القاهرة عام 1990 بقسم التأليف والقيادة وكان أول دفعته.. عين معيداً فى نفس العام ثم حصل على الماجستير ثم الدكتوراه وهو دكتور بأكاديمية الفنون الآن.. تتلمذ على يد نجوم فى عالم الموسيقى محليين وعالميين عمل بدار الأوبرا المصرية أكثر من 14 عاماً كعازف وقائد أوركسترا.. قدم أعمال أوبرا مصرية للأطفال وشارك فى تأليف أعمال موسيقية هامة وخلد هذه الأعمال فى «نوت» موسيقية قدمت أمام لفيف من الشخصيات الهامة فى مختلف المجالات، والأهم أنه ألف عملاً أوبرالياً مصرياً فى 1300 صفحة موسيقية منذ أربع سنوات ولم ير النور حتى الآن رغم إشادة فنانى الأوبرا به.. وبدأ فى عمل أوبرالى مصرى آخر ولكنه توقف لأنه سئم أن يؤلف عملاً موسيقياً ويبذل وقتاً وجهداً كبيرين ثم يكون مصيره كسابقه. كانت ملامحه تحمل كل معانى الحزن والغضب والمرارة والتحدى ومع ذلك لا يزال محتفظا بقدر هائل من الاعتزاز بالنفس والإيمان بفنه.
وأثناء حوارنا معه صاحبته ابتسامة سريعة شقت غمامة الحزن والمرارة.. إنه الدكتور أحمد الحناوى أحد نجوم عالم الموسيقى.. أكتوبر طرقت أبوابه وكان معه هذا الحوار.

* هل هناك إمكانية لتأليف أعمال أوبرالية مصرية؟

** بالطبع نستطيع أن نقدم أوبرا مصرية خالصة تتناول النصوص الشعبية مثل «حسن ونعيمة» و«شفيقة ومتولى» و«أدهم الشرقاوى» و«عزيزة ويونس» وكل هذه القصص يمكن تحويلها إلى باليهات وأوبرات، بالإضافة للمسرحيات الأخرى لأحمد شوقى وعبد الرحمن الشرقاوى وغيرهما وجميعها نصوص جاهزة والمؤلفون المصريون موجودون وأى نص من النصوص السابقة من الممكن أن يكون جاهزاً خلال شهرين أو ثلاثة شهور.


* هل شاركت فى كتابة أو تأليف أوبرا مصرية وهل لديك استعداد للمشاركة فى عمل من هذا النوع؟

** أنا عندى أوبرا مصرية جاهزة للتقديم وهى تتكون من 1300 صفحة لكن لا يوجد أى اهتمام بوجودها وعندى أوبرا ثانية وهى «آدم وحواء» وهى قصه تستعرض تاريخ مصر من خلال معالجة لقصة «إيزيس وأوزوريس» والعمل به تركيز أكبر على منطقة النوبة، لكنه لم تكتمل حتى الآن لأننى لا أشعر بأى اهتمام خاصة بعد توقفها لأسباب تافهة وغير معلنة.


* هل قمت بعرض الأوبرا المصرية التى قمت بتجهيزها على المسئولين بوزارة الثقافة؟

** منذ أربع سنوات عرضت الأوبرا على عدد كبير من فنانى الأوبرا وأبدوا جميعا إعجابهم بها وكتبت للدكتورة نسرين رشدى وهى أصلا مغنية أوبرا تحقيقا عنها فى الوفد وطالبت المسئولين بدار الأوبرا الاهتمام بها لأنها جديرة بالتقدير والتقديم ولكن لا حياة لمن تنادى وهى «مركونة» بدرج المكتب لاننى لست ممن يطرقون الابواب لأعرض فنى وأعمالى، لاننى تربطنى علاقات جيدة بالمسئولين عن دور الموسيقى والأوبرا وجميعهم أصدقائى ولكنى أترفع عن أن أطرق الأبواب لأعرض فنى لأنهم يعرفوننى جيدا ويعرفون أعمالى ويدركون تماما أننى موجود واعتقد أن هذا كافى لاستدعائى وطرح أعمالى للتقديم.


* هل التكلفة المرتفعة للعروض وراء عدم اكتراث المسئولين بتقديم أوبرا مصرية؟

** بالطبع لا.. لأن الميزانية واحدة فى حالة تقديم أى أوبرا لأننا نستخدم نفس الأدوات كالديكور والملابس والاوركسترا الذى يقوم بالعزف سواء كان أوروبياً أو مصرياً لكن الفرق الوحيد يكون فى الموضوع والتناول وليس فى الميزانية، فعلى العكس نحن نقدم أوبرا مصرية تحقق فكرة تقديم فن مصرى خالص يعبر عن الثقافة والتراث المصرى وهو ما نفتقده الآن دون سبب وهذه علامة استفهام كبيرة.


* هل من المتعارف عليه فى دور الأوبرا العالمية تقديم أوبرا أجنبية دون الاهتمام بتقديم أعمال محلية تتناول القصص الشعبية؟

** الاهتمام الاكبر يكون بالاعمال المحلية، التى تتحول فيما بعد لفن عالمى، وهذا ما نراه فى فرنسا والمانيا وامريكا والنمسا وغيرها من الدول، ثم تقديم أوبرات أجنبية من باب المعرفة وتناول الخبرات الفنية والثقافات والاستمتاع بها أيضا ولكنها ليست الأعمال الرئيسية بدور الأوبرا لأن الفن هو مرآة المجتمع وتوثيق للحقب المختلفة ولتاريخ وتراث كل بلد.


* هل وجود قائدى اوركسترا أجانب بدار الأوبرا المصرية سبب تراجع الأعمال المصرية أم أن هذا أسلوب متبع فى كل العالم؟

** وجود الفنانين الأجانب فى دار الأوبرا مسألة مقبولة ولكن الاعتماد الرئيسى عليهم غير مقبول لأنه يقصى الفنانين المصريين من الحياة الموسيقية بمصر وتجاهل موهبتهم وعلمهم خاصة أن هناك فنانين مبدعين فى مصر فى مجال التأليف الموسيقى وقيادة الاوركسترا وأنا واحد منهم وهناك أيضا محمد سعد باشا وبسام نور الدين و خالد شكرى وهانى عثمان وامير ماهر وآخرون، فنحن جميعا قادرون على قيادة الحركة الموسيقية بمصر وتطويرها إذا ما اتيحيت الفرصة لنا، لكن ما يحدث الآن هو تقييد لنا، فنحن نقدم عملاً واحداً فقط فى العام ولا نعلم لصالح من يحدث هذا، فهل من المعقول أن آخر عمل قدمته كان منذ 6 سنوات بالأوبرا رغم عملى بها كعازف ومؤلف وقائد الاوركسترا لمدة 14 سنة، وحتى فى هذه المرات القليلة لم أسلم من الضرر المعنوى والأدبى، وآخر مرة طلبوا منى أن أقدم لهم موسيقى كان فى مهرجان المبدع العربى والحقيقة احبطت جدا لأنى فوجئت بعدم الاهتمام الكافى بالدعاية للحفل وكان الجمهور فقط من المؤلفين وزوجاتهم وبعض أقاربهم وكأن جهدنا ووقتنا لا يستحق الاهتمام فلم تطرح الموسيقى للجمهور ولم يستفد منها أحد.
الملابس الرسمية


* لماذا اقترن اسم الأوبرا المصرية بالصفوة وكأنها فن لا يمكن تقديمه للبسطاء او للجمهور العادى؟

** فكرة قصر الأوبرا على من يرتدون ملابس سهرة وجاكت وكرافت أمر سخيف وغير موجود إلا فى مصر، رغم أن الشباب الصغير والجمهور المصرى قادر على تذوق الموسيقى وتقييمها، والطبيعى بعد اقتران اسم الأوبرا بالصفوة أن ينصرف عنها الجمهور العادى لسماع موسيقى البوب الشبابية والموسيقى الهابطة وأغانى «التيك اواى» وبالتالى ابتعدوا أو ابعدوا تماما الموسيقى الكلاسيكية.
وهذا دورنا كمؤلفين موسيقيين أن نواجه تراجع الثقافة التى أثرت على الحياة الموسيقية فى مصر وأن نرقى بذوق الجمهور الواعى القادر على تقييم العمل الجيد من عدمه اذا ما اتيحت له الفرصة لذلك. ونتمنى أن تفتح لنا الأبواب حتى نقدم رسالتنا التى نرغب فى تقديمها لبلادنا ولو من باب رد الجميل لها فهى قدمت لنا الدراسة الأكاديمية والتعليم وانفقت علينا الكثير من الأموال لنتميز فى مجال تاليف الموسيقى وقيادة الاوركسترا.


* هل تشعر بأنك تعرضت للظلم ولم تأخذ فرصتك كاملة؟

** بصراحة أنا تعرضت لإجحاف أدبى أكثر من مرة، وفى بعض المرات كانت عروضاً فى حضور رئيس الجمهورية، فقد كنت أشارك بأعمال معالجة موسيقيا ولكن للأسف كنت أفاجأ بالمذيعة تقدم العمل بالمعالجة وتنسبه كله لقائد الاوركسترا وعندما توجهت بالعتاب لقائد الاوركسترا، كان رده أن المذيعة لم تسأل عن التفاصيل وهذا أمر يدعو للإحباط، فليس من المنطقى أن أبذل جهداً فى معالجة العمل أو تقديمه بشكل راق وفى النهاية ينسب لغيرى والغريب أن هذا حدث فى كثير من المرات، منها حفلات ثورة يوليو التى حضرها الرئيس أيضا، حيث إننى كنت أقدم توزيعات لأناشيد عبد الوهاب، لكنها قدمت باسم موزعين آخرين، وفى جميع الأحوال هذا شىء قاس جدا ويصيبنى بالإحباط والمرارة.
اغتيال المواهب


* هل حالة التجاهل التى تواجهها يعانى منها زملاؤك، أم أن بعضهم تجاوز هذه المرحلة؟

** مؤلفو الموسيقى الكلاسيكية وقائدو الاوركسترا الموهوبون يعملون الآن بأكاديمية الفنون ودورهم اقتصر فقط على التدريس والشق الاكاديمى وهذا يعتبر اغتيالاً حقيقياً لموهبتهم وللحياة الموسيقية فى مصر، بسبب افتقاد روح الإبداع والتجديد وتقديم أعمال مصرية خالصة للاجيال القادمة والتى حرمت منها الأجيال الحالية، فزملائى جميعهم موهوبون ولعل بسام نور الدين أكبر دليل على ذلك فهو الآن من أهم المؤلفين الموسيقيين بالنمسا ووصل إلى مكانه يستحقها عن جدارة، والمدهش أنه كان يعمل
بالكورال فى مصر، وتجاهلوا وجوده تماما حتى سافر الى النمسا وهو الآن من أهم مطورى الموسيقى هناك.


* هل تعتبر ذلك امتداداً لفكرة تجاهل المواهب الحقيقية؟

** ما يحدث يمكن أن نسميه تجاهلاً وليس اجحافاً وهذا شىء قاتل لأنه فى حالة الاحجاف يمكن أن يكون هناك نوع من الصراع وكل واحد يريد إثبات حقه، لكن التجاهل اصعب وأكثر مرارة، لأنهم يتعاملون معنا وكأننا غير موجودين من الأساس.


* هل هناك تعمد أن تكون بلا أضواء؟

** هناك حالة من الرضا التام على فكرة ابعادى وتهميشى وخروجى أنا وأقرانى من «البرواز» وأن نكون بلا أضواء وإلى الآن لا أعلم لمصلحة من يحدث ذلك؟ فهناك كثير من أصدقائى لسنا ممن يطرقون الأبواب لأننا نتمتع بموهبة حقيقية نعرف قيمتها، وجميع المسئولين فى الوسط الموسيقى يعرفوننا جيدا وتربطنا بهم علاقات طيبة لكنهم محافظون على وجودنا خارج «البرواز».


* هل هناك معايير محدده لتقييم واختيار المؤلفيين الموسيقيين؟

** فى النهاية «هى حسبه مصالح وتطبيق لسياسة أهل الثقة والشللية».


* أين أنت الآن؟ وماذا تعمل فى ظل حالة الاحباط التى تسيطر عليك؟

** أنا الآن أقوم بتأليف موسيقى لعرض مسرحى ضخم اسمه (عشاق النيل) من إخراج عبد الرحمن الشافعى والنص الدرامى ليسرى الجندى والنص الشعرى لطارق البربارى وهو انتاج مشترك بين قطاع الفنون الشعبية والبيت الفنى للمسرح.. العرض يتحدث عن مشوار النيل منذ دخوله للأراضى المصرية بالنوبة وحتى يصل للدلتا وهنا يتطلب العرض التعامل مع الموسيقى النوبى والصعيدى وموسيقى الدلتا وموسيقى القاهرة الصوفية وهذا استلزم استخدام أدوات موسيقى شعبية من عازفين ومغنيين.


* ماهى أهم الأعمال التى قدمتها للجمهور؟

** قـدمت القـصـيد السيمفونى «الشاطر حسن» للأطفال ونجح نجاحا كبيرا جدا و«جحا» وتم عرضهما أكثر من مرة فى مهرجان قلعة صلاح الدين وكان فيه اهتمام من الأطفال أيضا لأنه عبارة عن حواديت تحكى بالاوركسترا والموسيقى وكان واضحاً جدا ومفهوما للناس وليس غريبا عنهم لكن لم يطلب للعرض مرة أخرى، حتى الجزء الثالث «عقله الأصبع والوحش أبو السباع» لم يتم عرضه حتى الآن وكنت المدير الموسيقى لمشروع إحياء الأدوار العشرة لسيد درويش من إنتاج مكتبة الاسكندرية وهو عبارة عن خمس اسطوانات ليزر عليها تسجيلات أصلية بصوت سيد درويش، فيها رؤية جديده للمؤلفين المصريين المعاصرين.
وقمت بقياده العديد من فرق الاوركسترا بحفلات دار الأوبرا المصرية منها اوركسترا أوبرا القاهرة، اوركسترا القاهرة الاحتفالى بالإضافة الى اوركسترا مكتبة الاسكندرية واوركسترا قطر الفيلهارمونى وقمت بتحقيق المؤلف المصرى من أصل يونانى اندريا رايدر وقدمت حفلا من مؤلفاته. كما شاركت فى مجال الموسيقى التصويرية للمسرح والأفلام التسجيلية والروائية من انتاج قطاع الانتاج.


* هل هناك شخص أو مسئول تريد أن توجه له رسالة؟

** رسالتى التى أريد أن اوجهها ستكون لكل صاحب قرار فى مجال الفن والموسيقى أرجوهم فيها أن يتذكروا الإنسان المصرى والفنان المصرى وأن يهتموا بالمواهب ولو بالقدر القليل لأن مصر تستحق منا ذلك.

مجلة أكتوبر
العدد١٧٧٣

No comments: